وأرى الغواني لا يواصلن امرءا * فقد الشباب وقد يصلن الأمردا ولعمري أن بين البيتين تشابها، إلا أن أبا تمام زاد على الأعشى بقوله: (من كان أشبههم بهن خدودا) فعلل ميل النساء إلى المرد والأعشى أطلق من غير تعليل.
وله وهو ابتداء قصيدة:
أبدت أسى إذ رأتني مخلس القصب * وآل ما كان من عجب إلى عجب ست وعشرون تدعوني فأتبعها * إلى المشيب ولم تظلم ولم تحب فلا يروقك إيماض القتير به * فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب أما قوله (من عجب إلى عجب) فمن البلاغة الحسنة والاختصار السديد البارع، وقوله (فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب) يريد به أن الرأي والأدب والحلم إنما يجتمع ويتكامل في أوان الكبر والشيب دون زمان الشباب. وقد تصف الشعراء أبدا الشيب بأنه تبسم في الشعر لبياضه وضيائه، إلا أن هذه من أبي تمام تسلية عن الشيب وتنبيه على منفعته.
وله من جملة قصيدة:
شاب رأسي وما رأيت مشيب الرأس إلا من فضل شيب الفؤاد وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعيم طلائع الأجساد طال إنكاري البياض فإن عمرت شيئا أنكرت لون السواد زارني شخصه بطلعة ضيم * عمرت مجلسي من العواد نال رأسي من ثغرة الهم لما * لم ينله من ثغرة الميلاد