لأنه لا تناقض بين البكى على شبابه ممن بكاه من النساء وتلهف عليه وبين العيب منهن للشيب والانكار له، بل هذه مطابقة وموافقة، ولا يبكي على شبابه من النساء إلا من رأين الشيب عيبا وذنبا. وقد ذكرنا هذا في كتاب الغرر.
وهذا الذي ذكره - وإن كان لا يحتاج إلى ما تكلفه - قد كان ينبغي أن يفطن لمثله ونظيره في التغاير والتميز لما عابه بقوله (يضحكن من أسف الشباب المدبر) فجعل الضحك من شئ والبكى من غيره على ما بيناه، ولا يحمله بعد الفطنة على أن يجعل الضحك بكاء وفي معناه.
وله من جملة قصيدة:
راحت غواني الحي عنك غوانيا * يلبسن نأيا تارة وصدودا من كل سابغة الشباب إذا بدت * تركت عميد القربتين عميدا أربين بالبرد المطارف بدنا * غيدا ألفتهم لدانا غيدا أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا ووجدت أبا القاسم الآمدي يختار في قوله (أربين) الباء دون الياء، من أرب المكان إذا لزمه وأقام فيه. وأربين بالياء معناه الزيادة، فكأنه يقول على الرواية بالياء أنهن أزددن علينا بالمرد واخترنهم علينا كما يقبل الرجل الزيادة في الشئ الذي يعطاه فاضلا عن حقه.
ولعمري أن الرواية بالباء أقرب منها بالياء إلى الحق، وإن كان فيها بعض الهجنة على ما أشار إليه الآمدي.
وقال الآمدي: إنه أخذ قوله (أحلى الرجال من النساء مواقعا) من قول الأعشى: