وإن كان أحدهما متقدما والآخر متأخرا، لأنهما ربما تواردا من غير قصد ولا وقوف من أحدهما على ما تقدمه الآخر إليه، وإنما الأنصاف أن يقال: هذا المعنى نظير هذا المعنى ويشبهه ويوافقه، فأما أخذه وسرقه فمما لا سبيل إلى العلم به، لأنهما قد يتواردان على ما ذكرناه ولم يسمع أحدهما بكلام الآخر، وربما سمعه فنسيه وذهب عنه ثم اتفق له مثله من غير قصد، ولا يقال أيضا: أخذه وسرقه إذا لم يقصد إلى ذلك.
وكم بين بيت أبي تمام وبيت البحتري مأخوذا منه أو غير مأخوذ في الطبع وصحة النسج وطلاوة اللفظ، فلبيت أبي تمام الفضل الظاهر الباهر، ويشبه قوله (وأراني قبل هذا التحليم كنت حليما) من شعري في الشيب قولي:
وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى * فقلت بما يبري ويعرق من لحمي وما سرني حلم يفئ إلى الردى كفاني ما قبل المشيب من الحلم وستجئ هذه الأبيات في موضعها بمشيئة الله.
وله من جملة قصيدة:
ألم تر ارآم الظباء كأنما * رأت بي سيد الرمل والصبح أدرع لئن جزع الوحشي منها لرؤيتي * لا نسيها من شيب رأسي أجزع ووجدت أبا القاسم الآمدي يفسر ذلك ويقول: أراد بسيد الرمل الذئب، وقوله (والصبح أدرع) أي أوله مختلط بسواد الليل، يريد وقت طلوع الفجر، وكل ما أسود أوله وأبيض آخره فهو أدرع، وشاة درعاء للتي أسود رأسها وعنقها وسائرها أبيض، وإنما قال ذلك لأن الظباء تخاف الذئب في ذلك الوقت، لأن لونه يخفى فيه لغبشته فلا تكاد تراه حتى يخالطها، وهو الوقت الذي تنتشر فيه الظباء وتخرج