الهيئات عليه وإن كان واحدا كأنه مختلف في نفسه، فهو وقف على هذه الدواوين مسلم لها مفوض إليها مع الأنصاف الذي هو العمدة والعقدة في كل دين ودنيا وأخرى وأولى.
وإن شئت أن تختصر لنفسك وتقتصر على أحد هذه الدواوين استغناء به في هذا المعنى عما سواه ولاحتوائه على ما في غيره، فأنت عند سبرك لها وأنسك بكل واحد منها وعملك بالاشتراك بينها والانفراد والاجتماع والافتراق تعرف على أيها تقتصر وبأيها تستغني عما سواه.
واعلم أن الشيب قد يمدح ويذم على الجملة، ثم يتنوع مدحه إلى فنون، فيمدح بأن فيه الجلالة والوقار والتجارب والحنكة، وأنه يصرف عن الفواحش ويصد عن القبائح ويعظ من نزل به فيقلل إلى الهوى طماحه وفي الغي جماحه، وإن العمر فيه أطول والمهل معه أفسح، وإن لونه أنصع الألوان وأشرقها، وما جرى مجرى ما ذكرناه، فالتركب منه كثير.
ومن يذمه بأنه رائد الموت ونذيره، وأنه يوهن القوة ويضعف المنة ويطمع في صاحبه، وأن النساء يصددن عنه ويعبن به وينفرن عن جهته.
وربما شكي منه لنزوله في غير زمانه ووفوده قبل إبانه، وإنه بذلك ظالم جائر. وما أشبه ذلك.
ومما يدخل في هذا الشباب وإطراء السواد وذكر منافعهما وفوائدهما ومرافقهما ويتعلق بأوصاف الشيب ذكر الخضاب إما بمدح أو بذم، وفنون مدحه أو ذمه كثيرة، وذكر ما يقوم مقام الخضاب في إزالة شخص الشيب عن المنظرة من مقراض أو غيره.
وسيجئ من هذه المعاني في ما نورده من الدواوين الأربعة ما ستقف عليه في مواضعه وتعلم حسن مواقعه.