لأنه جعله أيضا مغدفا، والمغدف المسبل السابغ التام، فهو يصفه بالسبوغ على ما ترى، فكيف يصفه مع ذلك بأنه بلغ نصف رأسه. والكلام بغير ما ذكره الآمدي أشبه.
ويحتمل وجهين:
أحدهما - أن يريد بقوله (نصفا) النصف الذي هو الخمار، والخمار ما ستر الوجه، فكأنه لما ذكر أنه قنع مذرويه - وهما جانبا رأسه - أراد أن يصفه بالتعدي إلى شعر وجهه فقال (نصفا) من النصيف الذي هو الخمار المختص بهذا الموضع، وليس النصيف على ما ظنه الآمدي القناع اللطيف، بل هو الخمار وقد نص أهل اللغة، على ذلك في كتبهم. وبيت النابغة الذي أنشد بعضه شاهد عليه، لأنه قال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * (فتناولته) واتقتنا باليد وإنما اتقت بيدها بأن سترت وجهها عن النظر إليه، فأقامت الخمار بهذا الموضع.
والوجه الآخر - أن يكون معنى نصفا أنه بلغ الخمسين وما قاربها، فقد يقال في من أسن ولم يبلغ الهرم أنه نصف.
فإن قيل: النصف إنما يستعمل في النساء دون الرجال.
قلنا: لا مانع يمنع من استعماله فيهما ولو على سبيل الاستعارة في الرجال، فقد يستعير الشعراء ما هو أبعد من ذلك. وعلى هذا الوجه يكون قوله (نصفا) راجعا إلى ذي الشيب وإلى من كنى عنه بالهاء في قوله (له)، ولا يكون راجعا إلى الشيب نفسه.