ثم أسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم أن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم، وأبعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة، والرفق بالرعية. وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.
* * * الشرح:
لما فرغ عليه السلام من أمر القضاء، شرع في أمر العمال، وهم عمال السواد والصدقات والوقوف والمصالح وغيرها، فأمره أن يستعملهم بعد اختبارهم وتجربتهم وألا يوليهم محاباة لهم، ولمن يشفع فيهم، ولا أثره ولا إنعاما عليهم.
كان أبو الحسن بن الفرات يقول: الأعمال للكفاة من أصحابنا، وقضاء الحقوق على خواص أموالنا.
وكان يحيى بن خالد يقول من تسبب إلينا بشفاعة في عمل فقد حل عندنا محل من ينهض بغيره، ومن لم ينهض بنفسه لم يكن للعمل أهلا.
ووقع جعفر بن يحيى في رقعة متحرم به: هذا فتى له حرمة الامل، فامتحنه بالعمل، فإن كان كافيا فالسلطان له دوننا، وإن لم يكن كافيا فنحن له دون السلطان.
ثم قال عليه السلام: " فإنهما - يعنى استعمالهم للمحاباة والإثرة - جماع من شعب الجور والخيانة ". وقد تقدم شرح مثل هذه اللفظة، والمعنى أن ذلك يجمع ضروبا من الجور والخيانة.
أما الجور فإنه يكون قد عدل عن المستحق إلى غير المستحق ففي ذلك جور على المستحق.