المنصور ذلك ثم نهاه عن نقض السنن الصالحة التي قد عمل بها من قبله من صالحي الأمة فيكون الوزر عليه بما نقض، والاجر لأولئك بما أسسوا، ثم أمره بمطارحة العلماء والحكماء في مصالح عمله، فإن المشورة بركة، ومن استشار فقد أضاف عقلا إلى عقله.
ومما جاء في معنى الأول:
قال رجل لإياس بن معاوية من أحب الناس إليك؟ قال الذين يعطوني، قال:
ثم من؟ قال: الذين أعطيهم.
وقال رجل لهشام بن عبد الملك: إن الله جعل العطاء محبة، والمنع مبغضة، فأعني على حبك، ولا تعنى في بغضك.
* * * والأصل:
واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة،، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة، وكل قد سمى الله له سهمه، ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله عهدا منه عندنا محفوظا.
فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الامن وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم، ويكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال