أتى الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج فقال له ما تقول في الحجاج قال: وما عسيت أن أقول فيه! هل هو إلا خطيئة من خطاياك، وشرر من نارك؟ فلعنك الله ولعن الحجاج معك! وأقبل يشتمهما، فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز فقال: ما تقول في هذا؟
قال: ما أقول فيه! هذا رجل يشتمكم، فإما أن تشتموه كما شتمكم، وإما أن تعفوا عنه.
فغضب الوليد وقال لعمر: ما أظنك إلا خارجيا! فقال عمر: وما أظنك إلا مجنونا، وقام فخرج مغضبا، ولحقه خالد ب الريان صاحب شرطة الوليد، فقال له ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين! لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى يأمرني بضرب عنقك، قال أو كنت فاعلا لو أمرك قال نعم فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان فوقف على رأسه متقلدا سيفه، فنظر إليه وقال: يا خالد، ضع سيفك فإنك مطيعنا في كل أمر نأمرك به - وكان بين يديه كاتب للوليد، فقال له: ضع أنت قلمك، فإنك كنت تضر به وتنفع اللهم إني قد وضعتهما فلا ترفعهما، قال: فوالله ما زالا وضيعين مهينين حتى ماتا.
وروى الغزالي في كتاب " إحياء علوم الدين " قال لما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك، فقد أصبحت شيخا كبيرا، وقد أثقلتك نعم الله عليك بما فهمك من كتابه، وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، فإنه تعالى قال: ﴿لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ (1). واعلم أن أيسر ما ارتكبت، واخف ما احتملت انك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوك إلى من لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك اتخذوك أبا بكر قطبا تدور .