وأما قوله: لم يكن قاطعا على موته فلا يضر تسليمه، أليس كان مشفقا وخائفا! وعلى الخائف أن يتحرز ممن يخاف منه، فأما قوله: فإنه لم يرد نفذوا الجيش في حياتي فقد بينا ما فيه.
فأما ولاية أسامة على من ولى عليه فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه، وقد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه قبيحة، فكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليهما فيما تقدم، والقول في الامرين واحد.
وقوله: إن أحدا لم يدع فضل أسامة على أبى بكر وعمر، فليس الامر على ما ظنه، لان من ذهب إلى فساد إمامة المفضول لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه، فأما ادعاؤه ما ذكره من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه، ولا وقفنا عليه إلا من كتابه، ثم لو صح لم يغن شيئا، لان عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول (صلى الله عليه وآله) من الدخول في إمارته والمسير تحت لوائه، والتواضع لا يقتضى فعل القبيح (1).
* * * قلت: إن الكلام في هذا الفصل قد تشعب شعبا كثيرة، والمرتضى رحمه الله لا يورد كلام قاضي القضاة بنصه، وإنما يختصره ويورده مبتورا، ويومئ إلى المعاني إيماء لطيفا، وغرضه الايجاز، ولو أورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان أليق، وكان أبعد عن الظنة، وأدفع لقول قائل من خصومه: إنه يحرف كلام قاضي القضاة ويذكر على غير وجه، ألا ترى أن من نصب نفسه لاختصار كلام فقد ضمن على نفسه أنه قد فهم معاني ذلك الكلام حتى يصح منه اختصاره، ومن الجائز أن يظن أنه قد فهم