خرج حتى لحق بالنمر بن قاسط وقال: لا تنظر في وجهي غطفانية بعد اليوم، فقال يا: معاشر النمر، أنا قيس بن زهير، غريب حريب طريد شريد موتور، فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى وأذلها الفقر. فزوجوه بامرأة منهم، فقال لهم: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي، أنا فخور غيور أنف، ولست أفخر حتى أبتلي، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم. فرضوا أخلاقه، فأقام فيهم حتى ولد له، ثم أراد أن يتحول عنهم، فقال: يا معشر النمر، إن لكم حقا على في مصاهرتي فيكم، ومقامي بين أظهركم، وإن موصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال: عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة، وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء بالعهود فإن به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل الانعام، وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى، وخلط الضيف بالعيال.
وأنهاكم عن الغدر، فإنه عار، الدهر وعن الرهان فإن به ثكلت مالكا أخي، وعن البغي فإن به صرع زهير أبى، وعن السرف في الدماء، فإن قتلى أهل البهاءة أورثني العار. ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور. واعلموا أنى أصبحت ظالما ومظلوما، ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا، وظلمتهم بقتلى من لا ذنب له.
ثم رحل عنهم إلى غمار (1) فتنصر بها، وعف عن المآكل حتى أكل الحنظل إلى أن مات.
* * * الأصل:
إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شئ أدعى لنقمة، ولا أعظم .