يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروية مقيدة، ومن جهة التواني وترك الروية يتلف الحزم، ولن يعدم المشاور مرشدا، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الرجال تحت بروق الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد (1) أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويورث غيظه، ولا تجاوز مضرته نفسه. يا بنى تميم، الصبر على جرع الحلم أعذب من جنا ثمر الندامة، ومن جعل عرضه دون ماله استهدف للذم، وكلم اللسان أنكى من كلم السنان، والكلمة مرهونة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت مزجت، فهي أسد محرب، أو نار تلهب، ورأي الناصح اللبيب دليل لا يجوز، ونفاذ الرأي في الحرب، أجدى من الطعن والضرب.
* * * وأوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلدا حين استخلفه على جرجان فقال له يا بنى، قد استخلفتك على هذه البلاد فانظر هذا الحي من اليمن فكن لهم كما قال الشاعر:
إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم * فرش واصطنع عند الذين بهم ترمى.
وانظر هذا الحي من ربيعه فإنهم شيعتك وأنصارك، فاقض حقوقهم، وانظر هذا الحي من تميم فأمطرهم (2) ولا تزه لهم، ولا تدنهم فيطمعوا، ولا تقصهم فيقطعوا، وانظر هذا الحي من قيس فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية، ومناصفوهم المآثر في الاسلام، ورضاهم منك البشر. يا بنى، إن لأبيك صنائع فلا تفسدها، فإنه كفى بالمرء نقصا أن يهدم ما بنى أبوه، وإياك والدماء فإنه لا تقية معها، وإياك وشتم الاعراض فإن الحر .