وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه.
ولا تعقده عقدا تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب - داد انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله طلبة لا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.
* * * الشرح:
أمره أن يقبل السلم والصلح إذا دعى إليه، لما فيه من دعة الجنود، والراحة من الهم، والامن للبلاد، ولكن ينبغي أن يحذر بعد الصلح من غائلة العدو وكيده، فإنه ربما قارب بالصلح ليتغفل، أي يطلب غفلتك، فخذ بالحزم، واتهم حسن ظنك، لا تثق ولا تسكن إلى حسن ظنك بالعدو، وكن كالطائر الحذر.
ثم أمره بالوفاء بالعهود، قال: واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، أي ولو ذهبت نفسك فلا تغدر.
وقال الراوندي: الناس مبتدأ وأشد مبتدأ ثان، ومن تعظيم الوفاء خبره، وهذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول، ومحل الجملة نصب لأنها خبر ليس، ومحل ليس مع اسمه وخبره رفع، لأنه خبر، فإنه وشئ اسم ليس، ومن فرائض الله حال، ولو تأخر لكان صفة لشئ. والصواب أن " شئ " اسم ليس، وجاز ذلك وإن كان نكرة لاعتماده على النفي، ولأن الجار والمجرور قبله في موضع الحال كالصفة، فتخصص بذلك وقرب من المعرفة، والناس: مبتدأ، وأشد: خبره، وهذه الجملة المركبة من مبتدأ