ابن عفان لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، استأنف العمل برأيك فيما تحت يدك، وخل بين من سبقك وبين ما ولوه عليهم كان، أو لهم فإنك مستكف أن تدخل في خير ذلك وشره. قال: أنشدكما الله الذي إليه تعودان، لو أن رجلا هلك وترك بنين أصاغر وأكابر، فغر الأكابر الأصاغر بقوتهم، فأكلوا أموالهم، ثم بلغ الأصاغر الحلم فجاؤكما بهم وبما صنعوا في أموالهم ما كنتما صانعين؟ قالا: كنا نرد عليهم حقوقهم حتى يستوفوها.
قال: فإني وجدت كثيرا ممن كان قبلي من الولاة غر الناس بسلطانه وقوته، وآثر بأموالهم أتباعه وأهله ورهطه وخاصته، فلما وليت أتوني بذلك، فلم يسعني إلا الرد على الضعيف من القوى، وعلى الدنئ من الشريف. فقالا: يوفق الله أمير المؤمنين.
* * * الأصل:
ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك، وأمنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن وإن عقدت بينك وبين عدو لك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة.
واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شئ الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب الغدر.
فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته،