بنفي النيل دون نفي الادراك، وأكثر ما في حكاية مذهبهم أنهم يزعمون أن إلهي العالم:
النور والظلمة، وهما جسمان، وأمير المؤمنين عليه السلام يقول: لو كان صانع العالم جسما لرئي، وحيث لم ير لم يكن جسما، أي شئ في هذا مما يدل على وجوب ذلك التقسيم والتخصيص الذي زعمت أنه إنما خصصه وقسمه لغرض صحيح!.
ثم (1) قال الراوندي: ويجوز أن يقال: البعد والغوص مصدران هاهنا بمعنى الفاعل، كقولهم: فلان عدل، أي عادل وقوله تعالى: " إن أصبح ماؤكم غورا " (2)، أي غائرا، فيكون المعنى: لا يدركه العالم البعيد الهمم فكيف الجاهل! ويكون المقصد بذلك الرد على من قال: أن محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه ليلة الاسراء، وأن يونس عليه السلام رأى ربه ليلة هبوطه إلى قعر البحر.
* * * ولقائل أن يقول: إن المصدر الذي جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدودة، لا يجوز القياس عليها، ولو جاز لما كان المصدر هاهنا بمعنى الفاعل، لأنه مصدر مضاف، والمصدر المضاف لا يكون بمعنى الفاعل. ولو جاز أن يكون المصدر المضاف بمعنى الفاعل لم يجز أن يحمل كلامه عليه السلام على الرد على من أثبت إن البارئ سبحانه مرئي، لأنه ليس في الكلام نفي الرؤية أصلا، وإنما غرض الكلام نفي معقوليته سبحانه، وإن الأفكار والانظار لا تحيط بكنهه، ولا تتعقل خصوصية ذاته، جلت عظمته.
* * * ثم قال الراوندي: فأما قوله: " الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود "، فالوقت: تحرك الفلك ودورانه على وجه، والأجل: