أفلح من نهض بجناح، أي مات، شبه الميت المفارق للدنيا بطائر نهض عن الأرض بجناحه. ويحتمل أن يريد بذلك: أفلح من اعتزل هذا العالم، وساح في الأرض منقطعا عن تكاليف الدنيا. ويحتمل أيضا أن يريد أفلح من نهض في طلب الرياسة بناصر ينصره، وأعوان يجاهدون بين يديه، وعلى التقادير كلها تنطبق اللفظة الثانية، وهي قوله:
" أو استسلم فأراح (1) "، أي أراح نفسه باستسلامه.
ثم قال: الإمرة على الناس وخيمة العاقبة، ذات مشقة في العاجلة، فهي في عاجلها كالماء الآجن يجد شاربه مشقة، وفي آجلها كاللقمة التي تحدث عن أكلها الغصة. ويغص مفتوح حرف المضارعة ومفتوح الغين، أصله: " غصصت " بالكسر: ويحتمل أن يكون الأمران معا للعاجلة، لان الغصص في أول البلع، كما أن ألم شرب الماء الآجن يحدث في أول الشرب. ويجوز ألا يكون عنى الامرة المطلقة، بل هي (2) الامرة المخصوصة، يعنى بيعة السقيفة.
ثم أخذ في الاعتذار عن الامساك وترك المنازعة، فقال: مجتني الثمرة قبل أن تدرك لا ينتفع بما اجتناه، كمن زرع في غير أرضه، ولا ينتفع بذلك الزرع، يريد أنه ليس هذا الوقت هو الوقت الذي يسوغ لي فيه طلب الامر وأنه لم يأن بعد.
ثم قال: قد حصلت بين حالين، إن قلت، قال الناس: حرص على الملك، وإن لم أقل، قالوا: جزع من الموت.
قال: هيهات، استبعادا لظنهم فيه (3) الجزع. ثم قال: " اللتيا والتي "، أي أبعد اللتيا والتي أجزع! أبعد أن قاسيت الأهوال الكبار والصغار، ومنيت بكل داهية عظيمة وصغيرة فاللتيا الصغيرة والتي الكبيرة.