[خطبة على بمكة في أول إمارته] واعلم أن كلام أمير المؤمنين عليه السلام وكلام أصحابه وعماله في واقعة الجمل، كله يدور على هذه المعاني التي اشتملت عليها ألفاظ هذا الفصل، فمن ذلك الخطبة التي رواها أبو الحسن علي بن محمد المدائني، عن عبد الله بن جنادة، قال: قدمت الحجاز أريد العراق، في أول إمارة علي عليه السلام، فمررت بمكة، فاعتمرت، ثم قدمت المدينة، فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ نودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وخرج علي عليه السلام متقلدا سيفه، فشخصت الابصار نحوه، فحمد الله وصلى على رسوله صلى الله عليه وآله، ثم قال:
أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته، وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الامرة (1) لغيرنا. وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس.
وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه، فولى الامر ولاة لم يألوا الناس خيرا، ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي، فبايعتموني على شين منى لامركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم، وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع، تعلمون ذلك، وقد نكثا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية (2)،