قلنا: قد أختلف في ذلك فقيل: أول ما يحسن منه تعالى خلقه ذاتا حية، يخلق فيها، شهوة لمدرك تدركه فتلتذ به، ولهذا قيل: تقديم خلق الجماد على خلق الحيوان عبث وقبيح. وقيل: لا مانع من تقديم خلق الجماد إذا علم أن علم بعض المكلفين فيما بعد بخلقه قبله لطف له.
* * * ولقائل أن يقول: أما إلى حيث انتهى به الشرح فليس في الكلام تركيب يدل على أنه تعالى فطر خلقه قبل خلق السماوات والأرض وإنما قد يوهم تأمل كلامه عليه السلام فيما بعد شيئا من ذلك، لما قال: " ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء "، على أنا إذا تأملنا لم نجد في كلامه عليه السلام ما يدل على تقديم خلق الحيوان، لأنه قبل أن يذكر خلق السماء لم يذكر إلا أنه فطر الخلائق. وتارة قال: " أنشأ الخلق "، ودل كلامه أيضا على أنه نشر الرياح، وأنه خلق الأرض وهي مضطربة فأرساها بالجبال، كل هذا يدل عليه كلامه، وهو مقدم في كلامه على فتق الهواء والفضاء وخلق السماء، فإما تقديم خلق الحيوان أو تأخيره فلم يتعرض كلامه عليه السلام له، فلا معنى لجواب الراوندي. وذكره ما يذكره المتكلمون من أنه: هل يحسن تقديم خلق الجماد على الحيوان أم لا؟.
* * * الأصل أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله،