واعلم أن في الكلام تقديما وتأخيرا، وتقديره: ولا يرقى إلى الطير، فطفقت أرتئي بين كذا وكذا، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، ثم " فصبرت وفي العين قذى "، إلى آخر القصة، لأنه لا يجوز أن يسدل دونها ثوبا ويطوي عنها كشحا، ثم يطفق يرتئي بين أن ينابذهم أو يصبر، ألا ترى أنه إذا سدل دونها ثوبا، وطوى عنها كشحا، فقد تركها وصرمها، ومن يترك ويصرم لا يرتئي في المنابذة! والتقديم والتأخير طريق لأحب، وسبيل مهيع في لغة العرب، قال سبحانه:
(الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيما)، (1) أي أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا، وهذا كثير.
وقوله عليه السلام: " حتى يلقى ربه " بالوقف والاسكان، كما جاءت به الرواية في قوله سبحانه: (ذلك لمن خشي ربه) (2) بالوقف أيضا.
[نسب أبى بكر ونبذه من أخبار أبيه] ابن أبي قحافة المشار إليه هو أبو بكر، واسمه القديم عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله. واختلفوا في " عتيق "، فقيل: كان اسمه في الجاهلية، وقيل:
بل سماه به رسول الله صلى الله عليه وآله. واسم أبى قحافة عثمان، وهو عثمان بن عامر بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب. وأمه ابنة عم أبيه، وهي أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد. أسلم أبو قحافة يوم الفتح، جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله، وهو شيخ كبير، رأسه كالثغامة البيضاء، فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " غيروا شيبته ".