وشبه ما كان يحدث من أهلها من الاختلاف والشقاق بالأعاصير، لإثارتها التراب وإفسادها الأرض. ثم ذكر علة إدالة أهل الشام من أهل العراق، وهي اجتماع كلمتهم وطاعتهم لصاحبهم وأداؤهم الأمانة وإصلاحهم بلادهم.
[أهل العراق وخطب الحجاج فيهم] وقال أبو عثمان الجاحظ: العلة في عصيان أهل العراق على الامراء وطاعة أهل الشام أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال، والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الامراء. وأهل الشام ذوو بلادة وتقليد وجمود على رأى واحد، لا يرون النظر، ولا يسألون عن مغيب الأحوال.
وما زال العراق موصوفا أهله بقلة الطاعة، وبالشقاق على أولى الرئاسة.
* * * ومن كلام الحجاج (1):
يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق! أما والله لألحونكم لحو العصا، ولأعصبنكم عصب السلم، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني أسمع لكم تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب، ولكنه تكبير الترهيب.
ألا إنها عجاجة تحتها قصف (2)، يا بنى اللكيعة، وعبيد العصا، وأبناء الإماء!
إنما مثلي ومثلكم كما قال ابن براقة (4):
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم * فهل أنا في ذا يال همدان ظالم! (5)