وجوه فروع نعمائه. وكذلك في كون الآية واردة بلفظة " إن " الشرطية وكلام أمير المؤمنين عليه السلام على صيغة الخبر، تحته لطيفة عجيبة، لأنه سبحانه يريد أنكم إن أردتم أن تعدوا نعمة لم تقدروا على حصرها، وعلي عليه السلام أخبر أنه قد أنعم النظر، فعلم أن أحدا لا يمكنه حصر نعمه تعالى.
* * * ولقائل أن يقول: الصحيح أن المفهوم من قوله: " وإن تعدوا نعمة الله " الجنس، كما يقول القائل: أنا لا أجحد إحسانك إلي، وامتنانك علي، ولا يقصد بذلك إحسانا واحدا، بل جنس الاحسان.
وما ذكره من الفرق بين كلام البارئ وكلام أمير المؤمنين عليه السلام غير بين، فإنه لو قال تعالى: وإن تعدوا نعم الله، وقال عليه السلام: ولا يحصي نعمته العادون، لكان كل واحد منهما سادا مسد الآخر.
أما اللطيفة الثانية فغير ظاهرة أيضا ولا مليحة، لأنه لو انعكس الامر، فكان القرآن بصيغة الخبر، وكلام علي عليه السلام بصيغة الشرط، لكان مناسبا أيضا، حسب مناسبته، والحال بعكس ذلك، اللهم إلا أن تكون قرينة السجعة من كلام علي عليه السلام تنبو عن لفظة الشرط، وإلا فمتى حذفت القرينة السجعية عن وهمك لم تجد فرقا، ونحن نعوذ بالله من التعسف والتعجرف الداعي إلى ارتكاب هذه الدعاوى المنكرة.
* * * ثم قال الراوندي: إنه لو قال أمير المؤمنين عليه السلام: " الذي لا يعد نعمه الحاسبون " لم تحصل المبالغة التي أرادها بعبارته، لان اشتقاق الحساب من الحسبان، وهو الظن. قال: وأما اشتقاق العدد فمن العد، وهو الماء الذي له مادة، والإحصاء:
الإطاقة، أحصيته، أي أطقته، فتقدير الكلام: لا يطيق عد نعمائه العادون، ومعنى ذلك