[قصة الشورى] وصورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة، وعلم أنه ميت، استشار فيمن يوليه الامر بعده، فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لاها الله إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب!
حسب عمر ما حمل! حسب عمر ما احتقب، لاها الله! لا أتحملها حيا وميتا! ثم قال: إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش: على، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم.
ثم قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى - يعنى أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير منى - يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله - ثم قال: ادعوهم لي، فدعوهم، فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه.
فنظر إليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا، فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير وقال: وما الذي يبعدنا منها! وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.
- قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ: والله لولا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة، ولا أن ينبس منه بلفظه -.
فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنا لو استعفيناك لم تعفنا. فقال:
أما أنت يا زبير فوعق لقس (1)، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك، فليت شعري، من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب!
وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة، وأنت على هذه الصفة.
ثم أقبل على طلحة - وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر - فقال له: أقول أم أسكت: قال: قل، فإنك لا تقول من الخير شيئا، قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائيا (2) بالذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله