شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٣٢٦
توصل عبد الله بن الزبير إلى امرأة عبد الله بن عمر - وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي - في أن تكلم بعلها عبد الله بن عمر أن يبايعه. فكلمته في ذلك، وذكرت صلاته وقيامه وصيامه، فقال لها: أما رأيت البغلات الشهب التي كنا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة؟ قالت: بلى، قال: فإياها يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته!
وفي الخبر المرفوع: " إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء في العمل، ألا وإن الرياء في العمل هو الشرك الخفي ":
صلى وصام لأمر كان يطلبه * حتى حواه فلا صلى ولا صاما [فصل في الاعتضاد بالعشيرة والتكثر بالقبيلة] ثم إنه عليه السلام بعد نهيه عن الرياء وطلب السمعة، أمر بالاعتضاد بالعشيرة والتكثر بالقبيلة، فأن الانسان لا يستغنى عنهم وإن كان ذا مال، وقد قالت الشعراء في هذا المعنى كثيرا، فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة (1):
إذا المرء لم يغضب له حين يغضب * فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبوا ولم يحبه بالنصر قوم أعزة * مقاحيم في الامر الذي يتهيب (2) تهضمه أدنى العداة فلم يزل * وإن كان عضا بالظلامة يضرب (3) فآخ لحال السلم من شئت واعلمن * بأن سوى مولاك في الحرب أجنب ومولاك مولاك الذي إن دعوته * أجابك طوعا والدماء تصبب فلا تخذل المولى وإن كان ظالما * فإن به تثأى الأمور وترأب (4).

(1) في الحماسة: " قراد بن عباد "، وصححه التبريزي: " قراد بن العيار "، وقال: " أبوه العيار أحد شياطين العرب "، والأبيات في 2: 669، من ديوان الحماسة - بشرح المرزوقي.
(2) مقاحيم: جمع مقحام، وهو الذي يخوض قحمة الشئ، أي معظمه.
(3) تهضمه، أي كسره وأذله. والعض: المنكر الشديد اللسان.
(4) تثأى: بخرق وتفتق. وفى الأصول: " تنأى "، تصحيف.
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»
الفهرست