ذكر أن أنسه بالموت كأنس الطفل بثدي أمه، وأنه انطوى على علم هو ممتنع لموجبه من المنازعة، وأن ذلك العلم لا يباح به (1)، ولو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية، وهي الحبال في البئر البعيدة القعر، وهذا إشارة إلى الوصية التي خص بها عليه السلام، أنه قد كان من جملتها الامر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه.
[استطراد بذكر طائفة من الاستعارات] واعلم أن أحسن الاستعارات ما تضمن مناسبة بين المستعار والمستعار منه، كهذه الاستعارات، فإن قوله عليه السلام: " شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة " من هذا النوع، وذلك لان الفتن قد تتضاعف وتترادف، فحسن تشبيهها بأمواج البحر المضطربة.
ولما كانت السفن الحقيقة تنجي من أمواج البحر، حسن أن يستعار لفظ السفن لما ينجي من الفتن، وكذلك قوله: " وضعوا تيجان المفاخرة "، لان التاج لما كان مما يعظم به قدر الانسان استعاره لما يتعظ به الانسان من الافتخار وذكر القديم وكذلك استعارة النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس، كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه.
وفي الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع، وهو مستقبح، وذلك كقول أبى نواس:
بح صوت المال مما * منك يبكى وينوح (2) وكذلك قوله:
ما لرجل المال أضحت * تشتكي منك الكلالا (3)