ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال:
" فيم " فقد ضمنه، ومن قال: " علام " فقد أخلى منه.
* * * الشرح:
إنما قال عليه السلام: " أول الدين معرفته "، لان التقليد باطل، وأول الواجبات الدينية المعرفة. ويمكن أن يقول قائل: ألستم تقولون في علم الكلام: أول الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى، وتارة تقولون: القصد إلى النظر؟ فهل يمكن الجمع بين هذا وبين كلامه عليه السلام!.
وجوابه أن النظر والقصد إلى النظر إنما وجبا بالعرض لا بالذات، لأنهما وصلة إلى المعرفة، والمعرفة هي المقصود بالوجوب وأمير المؤمنين عليه السلام أراد أول واجب مقصود بذاته من الدين معرفة البارئ سبحانه، فلا تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلمين.
وأما قوله: " وكمال معرفته التصديق به "، فلان معرفته قد تكون ناقصة، وقد تكون غير ناقصة، فالمعرفة الناقصة هي المعرفة بأن للعالم صانعا غير العالم، وذلك باعتبار أن الممكن لا بد له من مؤثر، فمن علم هذا فقط علم الله تعالى، ولكن علما ناقصا، وأما المعرفة التي ليست ناقصة، فإن تعلم أن ذلك المؤثر خارج عن سلسلة الممكنات، والخارج عن كل الممكنات ليس بممكن، وما ليس ممكن فهو واجب الوجود، فمن علم أن للعالم مؤثرا واجب الوجود فقد عرفه عرفانا أكمل من عرفان أن للعالم مؤثرا فقط، وهذا الأمر الزائد هو المكنى عنه بالتصديق به، لان أخص ما يمتاز به البارئ عن مخلوقاته هو وجوب الوجود.