فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها، فتغرق ويبقى مسجدها.
والصحيح أن المخبر به قد وقع، فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام القادر، بالله ومرة في أيام القائم بأمر الله، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام، جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت دورها، وغرق كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها.
وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة، يتناقلها خلفهم عن سلفهم.
[من أخبار يوم الجمل أيضا] قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني ومحمد بن عمر الواقدي: ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل، وأكثره لبني ضبة والأسد، الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه، ولقد كانت الرؤوس تندر (1) عن الكواهل، والأيدي تطيح من المعاصم، وأقتاب البطن (2) تندلق من الأجواف، وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل، حتى لقد صرخ عليه السلام بأعلى صوته: ويلكم اعقروا، الجمل فإنه شيطان!
ثم قال: اعقروه وإلا فنيت العرب. لا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوى هذا البعير