وأما (1) قوله عليه السلام: " وكمال التصديق به توحيده "، فلان من علم أنه تعالى واجب الوجود مصدق بالبارئ سبحانه، لكن ذلك التصديق قد يكون ناقصا، وقد يكون غير ناقص، فالتصديق الناقص أن يقتصر على أن يعلم أنه واجب الوجود فقط، والتصديق الذي هو أكمل من ذلك وأتم هو العلم بتوحيده سبحانه، باعتبار أن وجوب الوجود لا يمكن أن يكون لذاتين، لان فرض واجبي الوجود يفضي إلى عموم وجوب الوجود لهما، وامتياز كل واحد منهما بأمر غير الوجوب المشترك، وذلك يفضي إلى تركيبهما وإخراجهما عن كونهما واجبي الوجود، فمن علم البارئ سبحانه واحدا، أي لا واجب الوجود إلا هو، يكون أكمل تصديقا ممن لم يعلم ذلك، وإنما اقتصر على أن صانع العالم واجب الوجود فقط.
وأما قوله: " وكمال توحيده الاخلاص له "، فالمراد بالاخلاص له هاهنا هو نفي الجسمية والعرضية ولوازمهما عنه، لان الجسم مركب، وكل مركب ممكن، وواجب الوجود ليس بممكن. وأيضا فكل عرض مفتقر، وواجب الوجود غير مفتقر، فواجب الوجود ليس بعرض. وأيضا فكل جرم محدث، وواجب الوجود ليس بمحدث، فواجب (2) الوجود ليس بجرم. وأيضا فكل حاصل في الجهة، إما جرم أو عرض، وواجب الوجود ليس بجرم ولا عرض، فلا يكون حاصلا في جهة، فمن عرف وحدانية البارئ ولم يعرف هذه الأمور كان توحيده ناقصا، ومن عرف هذه الأمور بعد العلم بوحدانيته تعالى فهو المخلص في عرفانه جل اسمه، ومعرفته تكون أتم وأكمل.
وأما قوله: " وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه "، فهو تصريح بالتوحيد الذي تذهب إليه المعتزلة، وهو نفي المعاني القديمة (3) التي تثبتها الأشعرية وغيرهم، قال عليه السلام: