أن مدائحه تعالى لا يشرف على ذكرها الأنبياء والمرسلون، لأنها أكثر من أن تعدها الملائكة المقربون، والكرام الكاتبون.
* * * ولقائل أن يقول: أما الحساب فليس مشتقا من الحسبان بمعنى الظن، كما توهمه، بل هو أصل برأسه، ألا ترى أن أحدهما حسبت أحسب، والآخر حسبت أحسب، وأحسب بالفتح والضم، وهو من الألفاظ الأربعة التي جاءت شاذة، وأيضا فإن " حسبت " بمعنى ظننت يتعدى إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما، و " حسبت " من العدد يتعدى إلى مفعول واحد. ثم يقال له: وهب أن " الحاسبين " لو قالها مشتقة من الظن لم تحصل المبالغة، بل المبالغة كادت تكون أكثر، لان النعم التي لا يحصرها الظان بظنونه أكثر من النعم التي لا يعدها العالم بعلومه.
وأما قوله: العدد مشتق من العد، وهو الماء الذي له مادة، فليس كذلك، بل هما أصلان. وأيضا لو كان أحدهما مشتقا من الآخر، لوجب أن يكون العد مشتقا من العدد، لان المصادر هي الأصول التي يقع الاشتقاق منها سواء، أكان المشتق فعلا أو اسما (1)، ألا تراهم قالوا في كتب الاشتقاق: إن الضرب: الرجل الخفيف، مشتق من الضرب، أي السير في الأرض للابتغاء، قال الله تعالى: " لا يستطيعون ضربا في الأرض " (2)، فجعل الاسم منقولا ومشتقا من المصدر.
وأما الإحصاء فهو الحصر والعد وليس هو الإطاقة كما ذكر، لا يقال: أحصيت الحجر، أي أطقت حمله.
وأما ما قال: إنه معنى الكلمة فطريف، لأنه عليه السلام لم يذكر الأنبياء ولا الملائكة