عند قيام الأجساد، وقد دل القرآن العزيز، ونطق كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل، بأن آدم كان في الجنة وأخرج منها!
قيل: قد اختلف شيوخنا رحمهم الله في هذه المسألة، فمن ذهب منهم إلى أنهما غير مخلوقتين الآن يقول: قد ثبت بدليل السمع أن سائر الأجسام تعدم ولا يبقى في الوجود إلا ذات الله تعالى، بدليل قوله: ﴿كل شئ هالك إلا وجهه﴾ (١) وقوله: ﴿هو الأول والآخر﴾ (2)، فلما كان " أولا " بمعنى أنه لا جسم في الوجود معه في الأزل وجب أن يكون " آخرا "، بمعنى أنه لا يبقى في الوجود جسم من الأجسام معه فيما لا يزال، وبآيات كثيرة أخرى. وإذا كان لا بد من عدم سائر الأجسام لم يكن في خلق الجنة والنار قبل أوقات الجزاء فائدة، لأنه لا بد أن يفنيهما مع الأجسام التي تفنى يوم القيامة فلا يبقى مع خلقهما من قبل معنى. ويحملون الآيات التي دلت على كون آدم عليه السلام كان في الجنة وأخرج منها، على بستان من بساتين الدنيا. قالوا: والهبوط لا يدل على كونهما في السماء، لجواز أن يكون في الأرض، إلا أنهما في موضع مرتفع عن سائر الأرض.
وأما غير هؤلاء من شيوخنا فقالوا: إنهما مخلوقتان الآن، واعترفوا بأن آدم كان في جنة الجزاء والثواب، وقالوا: لا يبعد أن يكون في إخبار المكلفين بوجود الجنة والنار لطف لهم في التكليف، وإنما يحسن الاخبار بذلك إذا كان صدقا، وإنما يكون صدقا إذا كان خبره على ما هو عليه.
[القول في آدم والملائكة أيهما أفضل] فإن قيل: فما الذي يقوله شيوخكم في آدم والملائكة: أيهما أفضل؟
قيل: لا خلاف بين شيوخنا رحمهم الله أن الملائكة أفضل من آدم ومن جميع الأنبياء