المقدمة إن من أهم خصائص هذه الأمة أن قيض الله تعالى لها رجالا يحفظون دين الله تعالى بدقة وإتقان، أكدوا من أجله أبدانهم، وأجهدوا قواهم، وسهروا له ليلهم، وساروا نهارهم ولم يروا من الأمانة في تحمل دين الله وأدائه أن يتحملوه ويؤدوه كما اتفق، بل رأوا أنه لا يتم ذلك ولا يكون حفظا وحفاظا بحق وصدق إلا إذا كان آية في الضبط والإتقان.
ولذلك حرصوا على ضبط ألفاظه ونصوصه، وأعلامه وأسمائه، وكل حرف يتصل به، وجاءوا بقواعد وضوابط وأصول في هذا الباب، وكتبوا أبحاثا ضمن كتب علوم الحديث، وأفرد بعضهم كتبا خاصة ببيان المنهج العلمي الذي رسموه لضبط التلقي والأداء، من جملة هذه الكتب (الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع)، لمفخرة المغرب القاضي عياض رحمه الله تعالى، وكتابه هذا هو الذي دفع بحماسة وحرارة إنصاف أسد رستم - وهو من غير المسلمين - لتأليف كتابه (مصطلح التاريخ) إعجابا بهذا الكتاب.
ولم يكتفوا بهذه القواعد والمناهج، بل ألفوا كتبا كثيرة طبقوا فيها الإتقان والدقة التي ترسموها في حياتهم العلمية، فكتبوا في المشتبه والمؤتلف والمختلف.
ورأوا أن الإنسان - مهما سما قدره وتمكنت معارفه - فإنه لا بد واقع في الخطأ ولو كان من ذوي التنبه والتنبيه، بل يقع له الخطأ وهو في تنبيهاته إلى الصواب، وعلى أهل العلم أن ينبهوا إلى أوهامه وسقطاته بلسان عف نزيه، وقلم مترفع أديب، حتى لا يسري خطؤه إلى من بعده، ويتلقى بالتوارد والتسليم،