فيكون الخطأ في المتقدمين صوابا عند المتأخرين، وحينئذ تنقلب الحقائق وتعظم المصيبة.
إلا أن شيئا من ذلك لم يكن، فقد نهض الجهابذة من أئمة العلم لبيان الزيف ولا التلذذ بالدعة، ولم يثن عزمهم أن ذلك الواهم إمام من أئمة المسلمين لا يمس جنابه بتصحيح وهمه، أو سلطان حاكم تخشى سطوته إذا ذكر لتصويب خطئه، بل كان شعارهم (أحب الحق وأحب فلانا ما اجتمعا، فإذا افترقا كان الحق أحب إلي من فلان).
ولهذه النتائج الخطيرة الأثر اهتم العلماء بالضبط والإتقان لما يتحملونه حتى إذا رووه على الناس أو كتبوه في تصانيفهم جاء على الوجه الصحيح، ومن لطيف صنيعهم أن في الرواة التابعين الثقات رجلين أحدهما (أبو الحوراء - بحاء مهملة وراء - ربيعة بن شيبان السعدي) وثانيهما (أبو الجوزاء - بالجيم والزاي - أوس بن عبد الله الربعي - بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة عند المحدثين، وسكون الموحدة عند أهل النسب -).
قال السيوطي: ذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال: لما حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما كتب تحته: حور عين، لئلا أغلط فأقرأه أبو الجوزاء - بالجيم والزاي -.
ومن أعجب أخبار أئمتنا في حرصهم على الإتقان أن بعضهم كان يترك الأخذ عمن لم يضبط ويقع في التحريف، قال الإمام أبو أحمد العسكري في (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) ص 16 وهو هنا في ورقة 3 أ: (أخبرني أبو عبيد الآجري - هو محمد بن علي بن عثمان - سمعت سليمان بن الأشعث يقول: قال لي أحمد بن صالح المصري: حدثنا سلامة بن روح في حديث السقيفة: (بعزة أن يفيلا) تصحيف (تغرة أن يقتلا)، وكان أحمد بن صالح كتب عنه خمسين ألف حديث فتركه).