فضمنت بيت ابن الشريد كأنما * تعمد تشبيهي به وعناني (1) أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان (2) فاستحسن الصاحب هذا التضمين ووقع منه موقعا عظيما وقال: لو - عرفت أن هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها، وكنت قد ذهلت عنه وذهل علي.
قال البندنيجي: ثم نهض أبو أحمد وقال: لابد من الحمل على النفس، فإن الصاحب لا يقنعه هذا، وركب بغلة وقصده، فلم يتمكن من الوصول إلى الصاحب لاستيلاء الحشم، فصعد تلعة ورفع صوته بقول أبي تمام:
مالي أرى القبة الفيحاء مقفلة * دوني، وقد طال ما استفتحت مقفلها كأنها جنة الفردوس معرضة * وليس لي عمل ذاك فأدخلها فناداه الصاحب: أدخلها يا أبا أحمد، فلك السابقة الأولى، فتبادر إليه أصحابه فحملوه حتى جلس بين يديه، فسأله عن مسألة، فقال أبو أحمد:
الخبير صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شئ حتى في المثل السائر؟ فقال: تفاءلت عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب: سقطت.
قال السقطي: وتفاوضا في مسائل فزادت منزلته عنده، وأخذ أبو أحمد منه بالحظ الأوفر، وأدر الصاحب على المتصلين به إدرارا كانوا يأخذونه إلى أن توفي، وبعد وفاته فيما أظن، ولما نعي إليه أنشد فيه:
قالوا مضى الشيخ أبو أحمد * وقد رثوخ بضروب الندب فقلت: ما من فقد شيخ مضى * لكنه فقد فنون الأدب رحم الله أبا أحمد وأجزل مثوبته وأعلى مقامه في الأولين والآخرين والحمد لله رب العالمين.