ومما ذكروه عن حرص ذوي الفضل على لقائهم به: قصة الصاحب بن عباد، فقد حكى القصة كاملة ياقوت في (معجم الأدباء) بعضها من طريق السلفي، وبعضها الآخر من طريق ابن الجوزي، وقد جاءت مشوشة مختصرة عند ابن كثير، وأنا أنقلها من عند ياقوت مع تقديم وتأخير وأنقل جملة منها عن ابن خلكان.
قال أبو سعيد السقطي - تلميذ العسكري -: إن الصاحب بن عباد كان يتمنى لقاء أبي أحمد ويكاتبه على ممر الأوقات ويستميل قلبه، فيعتل عليه بالشيخوخة والكبر، إذ عرف أنه يعرض بالقصد إليه والوفود عليه، فلما يئس الصاحب منه احتال في جذب السلطان إلى ذلك الصوب - أي البلدة التي فيها العسكري - وبلغ من تحيله أنه قال للسلطان مؤيد الدولة بن بويه: إن عسكر مكرم قد اختلت أحوالها، وأحتاج إلى كشفها بنفسي، فأذن له في ذلك، فتوجه إليها ومعه فخر الدولة بن بويه، فلما قرب من عسكر مكرم كتب إلى أبي أحمد كتابا وضمنه الشعر والنثر.
قال أبو الحسن البندنيجي: فبينا نحن جلوس نقرا على أبي أحمد، وصل إليه ركابي (1)، ومعه رقعة، ففضها وقرأها وكتب على ظهرها جوابها، فقلت:
أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال: رقعة الصاحب، كتب إلي:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم * ضعفا فما نقوى على الوخذان (2) أتيناكم من بعد أرض نزوركم * وكم منزل بكر لنا وعوان (3) نسائلكم هل من قرى لنزيلكم * بملء جفون لا بملء جفان قال السقطي: فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذا له، فأملى عليه الجواب عن النثر نثرا، وعن النظم شعرا، وبعث إليه في الحال، وكان في آخر جوابه:
أروم نهوضا ثم يثني عزيمتي * تعوذ أعضائي من الرجفان