أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد وقد كان رحمة الله عليه يترك الشئ من الرأي والتدبير عن معرفة، يمنعه من ذلك الخوف من الله لأنه محرم في الدين، ويستعمله من خالفه كالغدر والخديعة والكذب ونقض العهد والغارة والبيات وما أشبه ذلك فيظن الجاهل أن ذلك منه قلة معرفة به، وأن من خالفه إنما صار إلى ذلك بفضل رأيه وقد ذكر ذلك في بعض كلامه فمدح الوفاء، وعاب الغدر وانتهاز الفرصة بما لا يحل فقال رحمة الله عليه وذكر الوفاء:
ذاك والله توأم الصدق، وما أعلم جنة أوقى منها، وما غدر من علم كيف العواقب، وأيم الله لقد أصبحنا في زمن اتخذه أكثر أهله كيسا ونسبهم أهله إلى حسن الحيلة ما لهم خيبهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها حاجز من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين وبعد قدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (1).
نعم، ويجد على ذلك أعوانا غير مستبصرين، وما يرتاب في مثل هذا إلا الجاهلون.
ولعمري أن عمرو بن العاص ومعاوية الغادر قد كان [كل واحد منهما] يعمل رأيه إذا شرعت له الفرصة لا يحجزه عن ذلك خوف من الله وأمره فيحنث ويكذب ويغير ويغدر.
فارتاب بمثل هذا من فعلهم من لا بصيرة له. وما ظنك بقوم لما انتبهوا عند قتل عمار بن ياسر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية (2) قال لهم معاوية: إنما قتله من أخرجه. فوجد قوما طغاما لا علم لهم بكفر من إيمان ولا هدى من ضلال، أصحاب جفاء وجهل وارتياب فجاز عندهم هذا الكلام، وظنوا أنه قد خرج من هذا السؤال، وأن قاتل عمار بن ياسر هو علي دون معاوية.