المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - الصفحة ١٣٦
[كلام الصحابي العظيم عمار بن ياسر رفع الله مقامه وكشفه عن إخلاصه وتقربه إلى الله تعالى بالتفادي في سبيله ومحاربته الفئة الباغية].
وذكروا أن عمارا لما توجه إلى صفين قال: اللهم لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد لنفسي نارا عظيمة فأقع فيها لفعلت، وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وأنا أريد بذلك وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيبني، وأنا أريد وجهك (1).
قالوا: وكان عمار يحب عليا، كلما قام خطيب من أهل العراق يدعو أهل الشام، قام عمار في أثره فقال: إنا والله ما نجد إلا قتال أهل الشام أو ندخل النار.
فتدبروا رحمكم الله هذه السيرة، وتصفحوا هذه الآثار، واعتبروا بما يرد عليكم من هذه الأنباء والأخبار لتعلموا أي الفريقين أولى سبيلا، وأحق أن يتبع، وأيهم أعدل سيرة وأسلك لطريق الطاعة، وأرغب في ثواب الله والدار الآخرة.
فارجعوا إلى النظر في ذلك، وتدبروه، فقد كان لكم في الطعن أئمة، وقد سبقكم إلى الخطأ والشك قوم انكشفت الأمور عند التماس الشأن والحجة، فأعقبهم تخلفهم حسرة وندامة، لأن الأمور قد تنكشف لمن لا بصيرة له صادرة ولا يعرفها مقبلة.

(1) وقريبا منه رواه نصر بن مزاحم في أوائل الجزء الخامس من كتاب صفين ص 320 وقبلها وبعدها أيضا ذكر كلما عنه قال:
ثم قال عمار: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت.
اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت.
اللهم وإني أعلم مما أعلمتني أني لا أعمل اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست