فلما بلغ هذا من قوله علي بن أبي طالب قال للجفاة الطغام وأشباه الأنعام: لو كنت أنا قتلت عمارا لأني أخرجته لكان رسول الله قتل حمزة وجميع من قتل في حربه لأنه هو المخرج لهم.
فتؤازر معاوية وعمرو واستعانوا على علي بالمكيدة والغدر، واستعان عليه آخرون بالتمويه والشبه وكلهم يعتل بطلب الدم، وإن كان بعضهم أجرى من بعض، وأقدم على الفجور والإثم. ولقد ذكر أمير المؤمنين بيض الله وجهه بعد رجوعه من البصرة من قعد عنه [وأنبهم] فقام إليه صاحب شرطته مالك بن حبيب اليربوعي، فقال: إن التأنيب والهجر [لهم] لقليل، فمرنا بقتلهم، فوالله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي: سبحان الله يا مالك جزت المدى وعدوت الحكم، وأغرقت في النزع. فقال: يا أمير المؤمنين لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة الأعادي. فقال علي: ليس هذا قضاء الله يا مالك، إنما النفس بالنفس، فما بال ذكرك الغشم وقد قال الله / 29 / تبارك وتعالى: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " [33 / الإسراء: 17] والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهى الله عن ذلك، وذلك هو الغشم الذي نهى الله عنه فتدبروا سيرته، وتصفحوا سياسته لتعلموا فضله في رأيه وتدبيره وفضله في شجاعته وإسلامه وفضله عند الشدائد في صبره ويقينه. وسنتكلف لكم جمع ذلك لتخف المؤنة عليكم، ونأتي من بيان ذلك بما فيه الشفاء لكم.
ومما يؤثر عنه في صواب رأيه وتحقيق ما ذكرنا [ه] من توقيه وإيثاره الصواب في اختياره [ما رواه أهل النقل]:
قالوا: لما بلغه قول الزبير وطلحة وتعريضهما [له] بالنكث، دعا بعبد الله بن عباس وقال له: يا أبا العباس أما بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: بلى.
قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينصفا حتى يذاقا، ولن يذاقا حتى يعملا، فول طلحة