وما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم إلا دلالة على علي ليظهر ويكشف فضيلته على غيره للناس إذ لم يقدم عليه غيره، والدليل على ذلك كفه له ثم إذنه له بعد أن أحجم الناس.
ومما يحقق ذلك أيضا من فعل الرسول صلى الله عليه قوله يوم بدر: قوموا يا بني هاشم فقاتلوا عن دينكم. وكان يقدمهم قبل الناس في الحروب.
فلما كان يوم الخندق فعل بعلي ما رأيتم بكفه عن المبادرة إلى عمرو، فلما بان إمساك الناس عنه، وتخلفهم عن الإقدام عليه، قام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في المرة الثالثة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه عمرو بن عبد ود - تأكيدا لما قلنا [ه] وتنبيها لمن كان له قلب أنه أراد بذلك الدلالة على تقدم علي وتفضيله - فقال له علي: وأنا علي بن أبي طالب يا رسول الله.
فعممه بيده، وقلده سيفه ذا الفقار، فخرج إليه والمسلمون مشفقون، قد اقشعرت جلودهم، وزاغت أبصارهم، وبلغت الحناجر قلوبهم، وظن قوم بالله الظنون (1) والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو له بالنصر، ملح في ذلك، مستغيث بربه ففرج الله به تلك الكرب، وأزال الظنون، وثبت اليقين بعلي بن أبي طالب، وقتل عمرو بن عبد ود، وقبل ذلك ما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، وقال المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
وفي ذلك يؤثر عن حذيفة بن اليمان أنه قال: لقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله والمؤمنين بعلي بن أبي طالب في موقفين، لو جمع جميع أعمال المؤمنين لما عدل بهما يوم بدر ويوم الخندق (2) ثم قص قصته فيهما