أحدا من قرب أو بعد فيكون علة للدعوى، وسببا لمن لم يتحر الحق يبصره أهل الهدى (1) هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أدمي ساقه وكسرت رباعيته، وطاعن بيده، وكان أبو بكر في هذه الحال معه يصنع ماذا؟ فإن قلتم [كان] واقفا يتمنى بقلبه عز الإسلام، ويدعو ربه بالنصرة، ويفرح بظهور الدين والظفر بالعدو، فتلك منزلة لا ندفعها بل نوجبها ونحققها لأبي بكر وهذه منزلة حسان بن ثابت [المعروف بالجبن].
فإن قالوا: إن ما قلتم فيه يوجب التنقص لأبي بكر، وهذا مذهب الرافضة في عيبه.
قلنا لهم: ليس ما ذكرنا من ضعفه على الإقدام تنقصا له ولا عيبا لأنه قد كان من صحة العزيمة والمحبة لعلو الدين وعز الإيمان ما لا يكون ضعفه عن الشجاعة والإقدام عيبا ولا تنقصا.
وقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن وليتموها أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله (2) فلم يكن ضعف بدنه عما قوي عليه قلب علي تنقيصا ولا عيبا.
وأما ما ذكرتم من تدبيره ورأيه الذي لا أجد له علة في دعواكم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما بحروبه متوليا لتدبيره بفضل رأيه ورجاحة علمه، فبعض التدبير [كان] يتلقاه عن وحي الله، وبعض يستشير فيه أصحابه تألفا واستعطافا، ثم يرجع بعد ذلك إلى رأيه وعزمه، فأرونا لأبي بكر تدبيرا أو رأيا تروونه أنتم دون غيركم وتعلمونه في روايتكم دون رواية من خالفكم، قد يروى أنه صلى الله عليه وسلم نزل منزلا في بعض حروبه، فقالت له الأنصار: أبرأي منك يا رسول الله أم وحي؟ فقال: برأي، فأشاروا عليه بغيره فقبله، فأرونا لأبي بكر مثل هذا الرأي وحده فنقبله ثم نعارضه بما هو أكبر منه!!
ثم العجب من عظم الغفلة وإعمال الهوى كيف يعمي صاحبه؟ وقد زعمتم أن