البصرة، والزبير الكوفة فإنهما متى يليا ويبسطا أيديهما وألسنتهما استحقا العزل واستوجبا البغض.
فضحك علي وقال: يا أبا العباس إن العراق بها الرجال والأموال، ومتى يملكان رقاب الناس، يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء ويقويا (1) على البغي بالسلطان!! ولو كنت مستعملا أحدا لنفعه أو لضره في يومه أو غده، استعملت معاوية على الشام! ولولا ما ظهر لي من حرصهما كان لي فيهما رأي.
فأي الرأيين عندكم أبلغ وأولى بالصواب وأوفق وأجمعهما للدنيا والدين؟ وقد تعلمون فضل ابن عباس في رأيه، وأن عمر قد كان يستعين به على أمره.
فلم يؤت [علي] رضي الله عنه في أموره لسوء تدبير كان منه أو لغلط (2) في رأي، غير أنه كان يؤثر الصواب عند الله في مخالفة الرأي ولا يؤثر الرأي في مخالفة رضا ربه.
وقد كانت له خاصة من أهل البصائر واليقين من المهاجرين والأنصار، مثل ابن عباس وعمار والمقداد وأبي أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبي الهيثم بن التيهان وقيس بن سعد [بن عبادة الأنصاري] ومن أشبه هؤلاء من أهل البصيرة والمعرفة، فأفنتهم الحروب واخترمهم الموت.
وحصل معه من العامة قوم لم يتمكن العلم من قلوبهم، تبعوه مع ضعف البصيرة واليقين، ليس لهم صبر المهاجرين، ولا يقين الأنصار، فطالت بهم تلك الحروب واتصلت بعضها ببعض، وفني أهل البصيرة واليقين، وبقي من أهل الضعف في النية؟
وقصر المعرفة من قد سئموا الحرب، وضجروا من القتل، فدخلهم الفشل، وطلبوا الراحة، وتعلقوا بالأعاليل، فعندها قام فيهم خطيبا فقال:
[أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب،