فقال علي رضي الله عنه: إني لست أحكم الرجال ولكن أحكم الكتاب فإن حكموا بالكتاب قبلت منهم، فإن الكتاب يحكم أني أولى من معاوية، وإن لم يحكموا بالكتاب لم أقبل.
فإن قال قائل: فما بال الأشتر لم يرض بما فعل، وحلف أن لا يكتب اسمه في الصحيفة، ولا يوادع، فقد خالف رأيه رأي علي بن أبي طالب، فقد خرج من حزبه وقطع العصمة منه.
قلنا: هذا هو رأي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وهذا من رأي الأشتر ليس بخطأ، وذلك إن الأشتر ليس بإمام فيجب عليه تآلف القوم واستعطافهم والانتقال عن هذا الرأي إلى غيره على جهة التآلف والاستعطاف كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولو كان رأي الباقين مثل رأي الأشتر لكان رأي علي له موافقا، ولكن لما كان الأشتر ليس هو في موضع المداراة جاز له المقام على رأيه.
ولما رأى علي رضي الله عنه خلاف الناس على الأشتر وميلهم إلى الموادعة لم يحب (1) أن يقيم على مثل ما رآه الأشتر فيحمل الناس على كشفه والنصب له، ويجعلهم أعداءا وله في الحق سعة يكون به إلى التي هي أصلح فهو رضي الله عنه يؤثر الرأي والرغبة في الألفة بالتآلف لأصحابه ما وجد في الحق سعة، فإذا ضاق عليه الحق وبلغت به الحال إلى أمر متى تركه دخل في الباطل، وما لا يحل له آثر الله على الخلق جميعا ولم يأخذه في الله لومة لائم، وانقطع إلى الله وإن ذهب الناس عنه، وكذلك فعل حين استنفرهم أخيرا بعد انقضاء الموادعة، وحينما فل الناس عنه (2) وتخاذلوا عن نصرته [كما يرى ذلك ملموسا من سيرته، وكثير من كلماته عليه السلام، منها جوابه عليه السلام لكتاب أخيه عقيل].