فإن تسأليني كيف أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب يعز علي أن ترى بي كآبة * فيشمت عاد أو يساء حبيب فهذا يؤكد ما قلنا [ه] ويحققه من أنه وادع القوم لا من ضعف فيه (1) ولا دخول في خطأ، ولكنه - شرف الله مقامه - أعمل التآلف والمداراة إذ وجد في الحق سعة، وأجابهم إلى الموادعة ليحكموا بكتاب الله، فإن خالف لم يرض بحكمه.
وله علة أخرى في الموادعة، وهو أنه نظر إلى من حصل معه من أهل البصيرة والمعرفة فإذا هم قليل تعدو عنهم العين لا يقوون بمن خالفهم فوادعهم لتكثر أنصاره وليقووا على من خالفهم، وذلك معروف فيما يؤثر عن سليمان بن صرد:
قالوا: ثم أقبل [إلى] علي بن [أبي طالب] سليمان بن صرد يوم صفين عند كلام الناس في الموادعة مضروبا وجهه بالسيوف فنظر إليه علي فقال له: " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا " (2) فأنت ممن ينتظر، وممن لم يبدل، فقال له سليمان بن صرد: والله لقد مشيت في العسكر لأن ألتمس أعوانا ولأن يعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت إلا قليلا، وما في الناس خير.
فهذه أيضا من العلل التي كان علي بالموادعة فيها مصيبا.
وله علة [أخرى] أيضا تؤثر عنه [و] لولاها لمضى على بصيرته وجده وإن أسلمه الناس جميعا: