لازم لبني آدم إلا هؤلاء الثلاثة وأن صفة الوضع ثابت للقلم لا ينفك عنه عن غير الثلاثة موضوعا عليه.
والاحتمال الثاني أن يراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث " أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ". فأفعال العباد كلها حسنها وسيئها يجري به ذلك القلم ويكتبه حقيقة، وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة، وقد خلق الله ذلك وأمر بكتبه وصار موضوعا على اللوح المحفوظ ليكتب ذلك فيه جاريا إلى يوم القيامة. وقد كتب ذلك وفرغ منه وحفظ. وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه فلا يكتب القلم إثمه ولا التكليف به، فحكم الله بأن القلم لا يكتب ذلك من بين سائر الأشياء رفع للقلم الموضوع للكتابة والرفع فعل الله تعالى فالرفع نفسه حقيقة والمجاز في شئ واحد وهو أن القلم لم يكن موضوعا على هؤلاء الثلاثة إلا بالقوة والنهي لأن يكتب ما صدر منهم، فسمى منعه من ذلك رفعا، فمن هذا الوجه يشارك هذا الاحتمال الأول وفيما قبله يفارقه (حتى يستيقظ) قال السبكي: هو وقوله حتى يبرأ وحتى يكبر غايات مستقبلة والفعل المغيا بها قوله رفع ماض والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة فلا تقول سرت أمس حتى تطلع الشمس غدا. قال: وجوابه بالتزام حذف أو مجاز حتى يصح الكلام فيحتمل أن يقدر رفع القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ، أو فهو مرتفع حتى يبلغ، فيبقى الفعل الماضي على حقيقته، والمغيى محذوف به ينتظم الكلام، ويحتمل أن يقال ذلك في الغاية، وهي قوله حتى يبلغ أي إلى بلوغه فيشمل ذلك من كان صبيا فبلغ في ماض ومن هو صبي الآن ويبلغ في مستقبل ومن يصير صبيا ويبلغ بعد ذلك، فهذه الحالات كلها في التقدير أما في التجوز في الفعل الثاني أو الفعل الأول أو الحذف راجعة إلى معنى واحد وهو الحكم برفع القلم للغاية المذكورة.
وفي ابن ماجة يرفع بلفظ آتي فلا يرد السؤال على هذه الرواية.
قال السيوطي وأفضل من هذا الطول والتكلف كله أن رفع بمعنى يرفع من وضع الماضي موضع آتي وهو كثير كقوله تعالى: * (أتى أمر الله) * (وعن المبتلى) وفي الرواية الآتية عن المجنون فالمراد بالمبتلى المبتلى بالجنون (حتى يبرأ) وفي الرواية آتية حتى يفيق (وعن الصبي) قال السبكي: الصبي الغلام، وقال غيره الولد في بطن أمه يسمى جنينا فإذا ولد فصبي فإذا فطم فغلام إلى سبع ثم يصير يافعا إلى عشر ثم حزورا إلى خمس عشرة. والذي يقطع به أنه يسمى صبيا في هذه الأحوال كلها قاله السيوطي (حتى يكبر) قال السبكي: ليس فيها من البيان ولا في قوله حتى يبلغ ما في الرواية الثالثة حتى يحتلم، فالتمسك بها أولى لبيانها وصحة سندها.