الترك. قال أما والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين قال وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للحرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك. قال القرطبي إسناده صحيح.
فانظر إلى سياق أحمد كيف خالف سياق أبي داود مخالفة بينة لا يظهر وجه الجمع بينهما. وبوب القرطبي في التذكرة بلفظ باب في سياقة الترك للمسلمين وسياقة المسلمين لهم ثم أورد فيه رواية أحمد ورواية أبي داود، المذكورتين وإني لست أدري ما مراده من تبويبه بهذا اللفظ إن أراد به الجمع بين روايتي أبي داود وأحمد بأنهما محمولان على زمانين مختلفين، ففي زمان يكون سياقة النزل للمسلمين، وفي زمان آخر يكون سياقه المسلمين لهم، فهذا بعيد جدا كما لا يخفى على المتأمل، وإن أراد غير هذا فالله تعالى أعلم بما أراد.
وعندي أن الصواب هي رواية أحمد وأما رواية أبي داود فالظاهر أنه قد وقع الوهم فيه من بعض الرواة، ويؤيده ما في رواية أحمد من أنه بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك، ويؤيده أيضا أنه وقع الشك لبعض رواة أبي داود، ولذا قال في آخر الحديث أو كما قال.
ويؤيده أيضا انه وقعت الحوادث على نحو ما ورد رواية فقد قال القرطبي في التذكرة: والحديث الأول أي حديث أحمد على خروجهم وقتالهم المسلمين وقتلهم، وقد وقع على نحو ما أخبر صلى الله عليه وسلم فخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصهم إلا الله يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج، فخرج منهم في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وست مائة جيش من الترك يقال له الططر عظم في قتله الخطب والخطر، وقضى له في قتل النفوس المؤمنة الوطر فقتلوا ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان، ومحوا رسوم ملك بني ساسان وخربوا مدينة نشاور وأطلقوا فيها النيران، وحاد عنهم من أهل خوارزم كل انسان، ولم يبق منهم إلا من اختبأ في المغارات والكهفان حتى وصلوا إليها وقتلوا وسبوا وخربوا البنيان، وأطلقوا الماء على المدينة من نهر جيحان فغرق منها مباني الدار والأركان، ثم وصلوا إلى بلاد نهشان فخربوا مدينة الري وقزوين ومدينة أردبيل ومدينة مراغة كرسي بلاد آذربيجان وغير ذلك، واستأصلوا ساقة من هذه البلاد من العلماء والأعيان واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان ودور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن وأنزل عليهم مواد التأييد والإحسان فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان واجتمع فيها مائة ألف إنسان، وأبرز الططر القتل في مضاجعهم وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمي، ففروا منهم فرار