الشيطان في يوم بدر وله حصاص، ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن من الهلاك خلاص، وواصلوا السير بالسير إلى أن صعدوا جبل أربد فقتلوا جميع من فيه من صلحاء المسلمين، وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وكانت استطالتهم على ثلثي بلاد المشرق الأعلى، وقتلوا من الخلائق ما لا يحصى، وقتلوا في العراق الثاني عدة يبعد أن تحصى، وربطوا خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع كما جاء في الحديث المنذر بخروجهم، إلى أن قال: وقطعوا السبيل وأخافوها، فلا وجاسوا خلال الديار وطافوها، وملأوا قلوب المسلمين رعبا وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحبا، ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث. وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الأخيرة منها.
قال القرطبي: فقد كملت بحمد الله خرجاتهم، ولم يبق قتلتهم وقتالهم، فخرجوا عن العراق الثاني والأول كما ذكرنا وخرجوا من هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد، وقتلوا جميع من فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، واستباحوا جميع من فيها من المسلمين، وعبروا الفلاة إلى حلب وقتلوا جميع من فيها، وخربوا إلى أن تركوها خالية، ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام، وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام، ودخل رعبهم الديار المصرية، ولم يبق إلا اللحوق بالديار الأخروية، فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بظفر رضي الله عنه بجميع من معه من العساكر، وقد بلغت القلوب الحناجر إلى أن التقى بهم بعين جالوت، فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فقتل منهم جمع كثير وعدد غزير وارتحلوا عن الشام من ساعتهم، ورجع جميعه كما كان للإسلام وعدوا الفرات منهزمين، ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خائبين وخاسئين مدحورين أذلاء صاغرين، إنتهى كلام القرطبي باختصار.
وقال الإمام ابن الأثير في الكامل: حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها انتهى.
وقال الذهبي: وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها انتهى.
(أو كما قال) أي قال غير هذا اللفظ. فهذا يدل على أن الراوي لم يضبط لفظ الحديث ولذا رجحت رواية أحمد. والحديث سكت عنه المنذري.