(أقيموا صفوفكم) أي سووه وعدلوه وتراصوا فيه (ثلاثا) أي قال تلك الكلمة ثلاثا (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) إن لم تقيموا. وفي رواية الشيخين (بين وجوهكم) قال النووي: معناه يوقع بينكم الدواة والبغضاء واختلاف القلوب، كما تقول تغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجه كراهته لي، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. انتهى. قلت: يؤيده رواية المؤلف هذه (قال) أي النعمان بن بشير (يلزق) أي يلصق (منكبه) المنكب مجتمع العضد والكنف (وكعبه بكعبه) قال الحافظ: واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل وهو عند ملتقى الساق والقدم وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ. وفي صحيح البخاري عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا صفوفكم فأني أراكم من وراء ظهري وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه) وقال الحافظ في الفتح: قوله عن أنس رواه سعيد ابن منصور عن هشيم، فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في اخره وهي قوله وكان أحدنا إلى آخره، وصرح بأنها من قول أنس، وأخرجه إسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ قال أنس: فرأيت أحدنا إلى آخره، وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته: ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر، كأنه بغل شموس. انتهى.
قال في التعليق المغني: فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعض على بعض ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه وركبته بركبته، لكن اليوم تركت هذه السنة، ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحمر الوحشية، فأنا لله وإنا إليه راجعون. قال المنذري: أبو القاسم الجدلي هذا اسمه الحسين بن الحارث سمع من النعمان بن بشير يعد في الكوفيين.
(كما يقوم القدح) بكسر القاف هو خشب السهم حين ينحت ويبرى. قال الخطابي: