سالم مع وجود عمر رضي الله عنه دلالة قوية على مذهب من يقدم الأقرأ على الأفقه انتهى. قال المنذري: وأخرجه البخاري وليس في ذكر عمرو بن سلمة.
(قال له أو لصاحب له) أي رفيق له (فأذنا) أمر من الأذان. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: المراد بقوله أذنا أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن قد وذلك لاستوائهما في الفضل، ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة، وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال: (فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم وقال في مقام اخر من فتح الباري: قال أبو الحسن بن القصار:
أراد به الفضل وإلا فالأذان الواحد يجزئ، وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ، فإن أراد أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد. وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه، وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة. نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن، فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن وا خر يجيب وقد تقدم له توجيه اخر في الباب الذي قبله، وأن الحامل على صرفه عن ظاهره قوله فيه: (فليؤذن لكم أحدكم) واستروح القرطبي فحمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة وهو بعيد. وقال الكرماني:
قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله: يا حرسي كل اضربا عنقه وقوله: قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد. انتهى مختصرا (ثم أقيما) قال الحافظ: فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم.
انتهى. (ثم ليؤمكما أكبركما) ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حديث قال للتابعي. فأين القراءة فإنه دال على أنه أراد كبر السن، وكذا دعوى من زعم أن قوله: (وليؤمكم أكبركم) معارض بقوله: (يؤم القوم أقرؤهم) لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة الاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، قال فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه انتهى. والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه، فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم. قاله الحافظ في الفتح (وفي حديث مسلمة قال وكنا يومئذ