على سائر الخصال المذكور معها، والمعنى في ذلك أنهم كانوا قوما أميين لا يقرؤون فمن تعلم شيئا من القران، كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلمه لأنه لا صلاة إلا بقراءة وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة وكانت ركنا من أركانها صارت مقدمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها ثم تلا القراءة بالسنة وهي الفقه ومعرفة أحكام الصلاة وما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها وبيته من أمرها، وأن الامام إذا كان جاهلا بأحكام الصلاة ربما يعرض فيها من سهو ويقع من زيادة ونقصان أفسدها وأخدجها، مع فكان العالم بها الفقيه فيها مقدما على من لم يجمع علمها ولم يعرف أحكامها. ومعرفة السنة وإن كانت مؤخرة في الذكر وكانت القراءة مبتدأة بذكرها فإن الفقيه العالم بالسنة إذا كان يقرأ من القران ما تجوز به الصلاة أحق بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان مختلفا عن درجته في علم الفقه ومعرفته السنة. وإنما قدم القارئ في الذكر لأن عامة الصحابة إذا اعتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم به. وقال ابن مسعود: كان أحدنا إذا حفظ سورة من القران لم يخرج عنها إلى غيرها حتى يحكم علمها ويعرف حلالها وحرامها أو كما قال. فأما غيرهم ممن تأخر بهم الزمان فإن أكثرهم يقرأون ولا يفقهون فقراؤهم كثير والفقهاء منهم قليل. وأما قوله عليه السلام: (فإن استووا في السنة فأقدمهم هجرة) فإن الهجرة قد انقطعت اليوم إلا أن فضيلتها موروثة، فمن كان من أولاد المهاجرين أو كان في ابائه وأسلافه من له قدم في اسلام أو سابقة فيه أو كان آباؤه أقدم إسلاما فهو مقدم على من لم يكن آبائه سابقة أو كانوا ممن بنى العهد بالإسلام، فإذا كانوا متساويين في هذه الحالات الثلاثة فأكبرهم سنا مقدم على من هو أصغر سنا لفضيلة السن، ولأنه إذ تقدم أصحابه في السن فقد تقدمهم في اسلام فصار بمنزلة من تقدمت هجرته، وعلى هذا الترتيب توجد أقاويل أكثر العلماء في هذا الباب.
قال عطاء بن أبي رباح: يؤمهم أفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقرأهم، فإن كانوا في الفقه والقراءة سواء فأسنهم، وقال مالك: يتقدم القوم أعلمهم، فقيل له: أقرؤهم، فقال: قد يقرأ من لا يرضى، وقال الأوزاعي: يؤمهم أفقههم. وقال الشافعي: إذا لم تجتمع القراءة والفقه والسن في واحد قدموا أفقههم إذا كان يقرأ من القران ما يكتفي به في الصلاة وإن قدموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن. وقال أبو ثور: يؤمهم أفقههم إذا كان