دخلوا عليه ويحتمل أن يكون لم يسلم لان المقصود حينئذ تفخيم الامر وتهويله وقد تكون مشروعية ابتداء السلام تتعلق بالبشر لا من الملائكة وان وقع ذلك منهم في بعض الأحيان قلت والحالة التي سلموا فيها على إبراهيم كانوا في صورة البشر فلا ترد هنا ولا يرد سلامهم على أهل الجنة لان أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبا وقد ذكرت عن رواية الطيالسي أن جبريل سلم أولا ولم ينقل أنه سلم عند الامر بالقراءة والله أعلم (قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم) هذا مناسب لسياق الحديث من أوله إلى هنا بلفظ الاخبار بطريق الارسال ووقع مثله في التفسير في رواية بدء الوحي اختلاف هل فيه قال ما أنا بقارئ أو قلت ما أنا بقارئ وجمع بين اللفظين يونس عند مسلم قال قلت ما أنا بقارئ قال شيخنا البلقيني وظاهره أن عائشة سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من مرسلات الصحابة (قوله فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني) استدل به على أن أفعل ترد للتنبيه ولم يذكروه قاله شيخنا البلقيني ثم قال ويحتمل أن تكون على بابها لطلب القراءة على معنى أن الامكان حاصل (قوله فقال اقرأ) قال شيخنا البلقيني رحمه الله دلت القصة على أن مراد جبريل بهذا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم نص ما قاله وهو قوله اقرأ وانما لم يقل له قل اقرأ إلى آخره لئلا يظن أن لفظة قل أيضا من القرآن (قلت) ويحتمل أن يكون السر فيه الابتلاء في أول الأمر حتى يترتب عليه ما وقع من الغط وغيره ولو قال له في الأول قل اقرأ باسم ربك الخ لبادر إلى ذلك ولم يقع ما وقع ثم قال شيخنا ويحتمل أن يكون جبريل أشار بقوله اقرأ إلى ما هو مكتوب في النمط الذي وقع في رواية ابن إسحاق فلذلك قال له ما أنا بقارئ أي أمي لا أحسن قراءة الكتب قال والأول أظهر وهو أنه أراد بقوله اقرأ التلفظ بها (قلت) ويؤيده أن رواية عبيد بن عمير انما ذكرها عن منام تقدم بخلاف حديث عائشة فإنه كان في اليقظة ثم تكلم شيخنا على ما كان مكتوبا في ذلك النمط فقال اقرأ أي القدر الذي أقرأه إياه وهي الآيات الأولى من اقرأ باسم ربك ويحتمل أن يكون جملة القرآن وعلى هذا يكون القرآن نزل جملة واحدة باعتبار ونزل منجما باعتبار آخر قال وفي احضاره له جملة واحدة إشارة إلى أن آخره يكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل (قوله حتى بلغ الجهد) تقدم في بدء الوحي أنه روى بنصب الدال ورفعها وتوجيههما وقال النوربشتي لا أرى الذي قاله بالنصب إلا وهم فإنه يصير المعنى أنه غطه حتى استفرغ الملك قوته في ضغطه بحيث لم يبق فيه مزيد وهو قول غير سديد فان البنية البشرية لا تطيق استيفاء القوة الملكية لا سيما في مبتدأ الامر وقد صرح الحديث بأنه داخله الرعب من ذلك (قلت) وما المانع أن يكون قواه الله على ذلك ويكون من جملة معجزاته وقد أجاب الطيبي بأن جبريل لم يكن حينئذ على صورته الملكية فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي جاءه بها حين غطه قال وإذا صحت الرواية اضمحل الاستبعاد (قلت) الترجيح هنا متعين لاتحاد القصة ورواية الرفع لا اشكال فيها وهي التي ثبتت عن الأكثر فترجحت وإن كان للأخرى توجيه وقد رجح شيخنا البلقيني بان فاعل بلغ هو الغط والتقدير بلغ مني الغط جهده أي غايته فيرجع الرفع والنصب إلى معنى واحد وهو أولى قال شيخنا وكان الذي حصل له عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل له من الكرب عند نزول القرآن كما في حديث ابن عباس كان يعالج من التنزيل شدة وكذا
(٣١٤)