(قوله ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية) أي يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره ممن لا يكون له فيه مشاركة كوالده أو ولده أو قريبه وقيل المراد من يريد بقاء سيرة الجاهلية أو أشاعتها أو تنفيذها وسنة الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه من أخذ الجار بجاره والحليف بحليفه ونحو ذلك ويلتحق بذلك ما كانوا يعتقدونه والمراد منه ما جاء الاسلام بتركه كالطيرة والكهانة وغير ذلك وقد أخرج الطبراني والدار قطني من حديث أبي شريح رفعه ان أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية في الاسلام فيمكن أن يفسر به سنة الجاهلية في هذا الحديث (قوله ومطلب) بالتشديد مفتعل من الطلب فأبدلت التاء طاء وأدغمت والمراد من يبالغ في الطلب وقال الكرماني المعنى المتكلف للطلب والمراد الطلب المترتب عليه المطلوب لا مجرد الطلب أو ذكر الطلب ليلزم الزجر في الفعل بطريق الأولى وقوله بغير حق احتراز عمن يقع له مثل ذلك لكن بحق كطلب القصاص مثلا وقوله ليهريق بفتح الهاء ويجوز اسكانها وقد تمسك به من قال إن العزم المصمم يؤاخذ به وتقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث من هم بحسنة في كتاب الرقاق (تنبيه) وقفت لهذا الحديث على سبب فقرأت في كتاب مكة لعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال قتل رجل بالمزدلفة يعني في غزوة الفتح فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحل في الجاهلية ومن طريق مسعر عن عمرو بن مرة عن الزهري ولفظه ان أجرأ الناس على الله فذكر نحوه وقال فيه وطلب بذحول الجاهلية (قوله باب العفو في الخطأ بعد الموت) أي عفو الولي لا عفو المقتول لأنه محال ويحتمل أن يدخل وانما قيده بما بعد الموت لأنه لا يظهر أثره إلا فيه إذ لو عفا المقتول ثم مات لم يظهر لعفوه أثر لأنه لو عاش تبين أن لا شئ له يعفو عنه وقال ابن بطال اجمعوا على أن عفو الولي انما يكون بعد موت المقتول وأما قبل ذلك فالعفو للقتيل خلافا لأهل الظاهر فإنهم أبطلوا عفو القتيل وحجة الجمهور أن الولي لما قام مقام المقتول في طلب ما يستحقه فإذا جعل له العفو كان ذلك للأصيل أولى وقد أخرج أبو بكر ابن أبي شيبة من مرسل قتادة أن عروة ابن مسعود لما دعا قومه إلى الاسلام فرمى بسهم فقتل عفا عن قاتله قبل أن يموت فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عفوه (قوله حدثنا فروة) بفاء هو ابن أبي المغراء (قوله عن أبيه عن عائشة هزم المشركون يوم أحد) سقط هذا القدر لأبي ذر وتحول إلى السند الآخر فصار ظاهره أن الروايتين سواء وليس كذلك ويحيى بن أبي زكريا في السند الثاني هو يحيى بن يحيى الغساني وساق المتن هنا على لفظه وأما لفظ علي بن مسهر فتقدم في باب من حنث ناسيا من كتاب الايمان والنذور وقد بينت ذلك في الكلام عليه في غزوة أحد (قوله فقال حذيفة غفر الله لكم) استدل به من قال إن ديته وجبت على من حضر لان معنى قوله غفر الله لكم عفوت عنكم وهو لا يعفو إلا عن شئ استحق له أن يطالب به وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السنن عن الأوزاعي عن الزهري قال أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت النبي صلى الله عليه وسلم فزاده عنده خيرا ووداه من عنده وهذه الزيادة ترد قول من حمل قوله فلم يزل في حذيفة منها بقية خير على الحزن على أبيه وقد أوضحت الرد عليه في باب من حنث ناسيا
(١٨٦)