لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه والله لو كنت حاضرا لهشمت أنفك خلافا لمن قال يحنث مطلقا وفيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه وقد حكى ابن الكلبي في قصة أم عمرو بنت سفيان أن امرأة أسيد بن حضير أوتها بعد أن قطعت وصنعت لها طعاما وأن أسيدا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كالمنكر على امرأته فقال رحمتها رحمها الله وفيه الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما من خالف أمر الشرع وتمسك به بعض من قال إن شرع من قبلنا شرع لنا لان فيه إشارة إلى تحذير من فعل الشئ الذي جر الهلاك إلى الذين من قبلنا لئلا يهلك كما هلكوا وفيه نظر وإنما يتم أن لو لم يرد قطع السارق في شرعنا وأما اللفظ العام فلا دلالة فيه على المدعي أصلا (قوله باب قول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) كذا أطلق في الآية اليد وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة واختلفوا فيما لو قطعت الشمال عمدا أو خطأ هل يجزئ وقدم السارق على السارقة وقدمت الزانية على الزاني لوجود السرقة غالبا في الذكورية ولان داعية الزنا في الإناث أكثر ولان الأنثى سبب في وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبا إلا بطواعيتها وقوله بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما والسرقة بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه الاخذ خفية وعرفت في الشرع بأخذ شئ خفية ليس للآخذ أخذه ومن اشترط الحرز وهم الجمهور زاد فيه من حرز مثله قال ابن بطال الحرز مستفاد من معنى السرقة يعني في اللغة ويقال لسارق الإبل الخارب بخاء معجمة وللسارق بالمكيال مطفف وللسارق في الميزان مخسر في أشياء أخرى ذكرها ابن خالويه في كتاب ليس قال المازري ومن تبعه صان الله الأموال بايجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب ولسهولة إقامة البينة على ما عدا السرقة بخلافها وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفي ذلك إشارة إلى الشبهة التي نسبت إلى أبي العلاء المعري في قوله يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله صيانة العضو أغلاها وأرخصها * صيانة المال فافهم حكمة الباري وشرح ذلك أن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي ولو كان نصاب القطع خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال فظهرت الحكمة في الجانبين وكان في ذلك صيانة من الطرفين وقد عسر فهم المعنى المقدم ذكره في الفرق بين السرقة وبين النهب ونحوه على بعض منكري القياس فقال القطع في السرقة دون الغصب وغيره غير معقول المعنى فان الغصب أكثر هتكا للحرمة من السرقة فدل على عدم اعتبار القياس لأنه إذا لم يعمل به في الأعلى فلا يعمل به في المساوي وجوابه أن الأدلة على العمل بالقياس أشهر من أن يتكلف لايرادها وستأتي الإشارة إلى شئ من ذلك في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله وقطع علي من الكف) أشار بهذا الأثر إلى الاختلاف في محل القطع وقد اختلف في حقيقة اليد فقيل أولها من المنكب وقيل من المرفق وقيل من الكوع وقيل من أصول الأصابع فحجة الأول أن العرب تطلق الأيدي على
(٨٦)