إبانه (10) واستوى بنانه (11) هاجت ريح تحت الورق، وتفرق ما اتسق فأصبحت - كما قال الله - هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شئ مقتدرا (12) أنظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم.
(10) العشب - كقفل -: الكلأ الرطب وابان الشئ: أوانه أو أوله، ومنه الحديث: كل الفواكه في ابانها.
(11) وفى تنبيه الخواطر والوافي: واستوى نباته.
(12) الآية 46، من السورة 18: الكهف.
والهشيم فعيل بمعنى مفعول من قولهم: هشم (من باب ضرب) هشما الشئ أي كسره، الا انه يختص بكسر الشئ اليابس أو المجوف، وتذروه أي تطيره وتفرقه في كل جهة، وتجعله هباء منثورا. ولطافة هذه الوصية الشريفة، والكلام القدسي لا تدرك كما هي الا بذكر تمام الآية الشريفة، وبذكرها والمقايسة بينهما تتجلى صحة ما قيل في وصف كلامه (ع): من أنه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق، فأقول تمام الآية الكريمة هكذا:
" وأضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا ".
فدقق النظر كيف بين (ع) تأثير الماء النازل من السماء في التراب القابل بقوله: فهي كروضة أعتم مرعاها وأعجبت من يراها، الخ. وكيف كشف (ع) عن حال النباتات في أوان اشتدادها، وحال ريعانها وأوقاف اخضرارها، واعراقها في الأرض، والثاني عن نضرة الفروع وخضرتها وطراوتها.
وعلى ما في نسخة تنبيه الخواطر، كأنه (ع) أراد من قوله: يبهج، التزيين والاهتزاز، وأيضا المقصود من الثرى - بناء على هذه النسخة -: وجه الأرض، وكذا المراد من العروق كأنه الأغصان الممتدة، والأوراق المتدلية، المنبسطة على وجه الأرض، أي ان الدنيا كروضة اهتزت الأرض ببهجتها، وزينت الغبراء والبسيطة بنضارة أغصان أشجارها، والتفاف أوراقها الرائعة عليها، وقوله عليه السلام: ينظف فروعها الندى، كأنه إشارة إلى ما عد في عصرنا من البديهيات،: من جذب الأشجار والنباتات الخضرة، الهواء الملوث ونشر الهواء الملطف، وإذاعة المروح منها، عكس الحيوانات.